الكوميديا كأداة مقاومة: سينما إيليا سليمان
لا مغالاة في القول إن إيليا سليمان يُعد من أكثر صناع السينما العرب تأثيراً في يومنا هذا. فعلى الرغم من قلة أعماله - أربعة أفلام طويلة وسبعة أفلام قصيرة خلال ثلاثة عقود - فإن المخرج الفلسطيني المخضرم برز كصوت جريء مختلف في سينما تُهيمن عليها الواقعية الاجتماعية حتى اليوم.
فبدراسته الأحاسيس المتعددة في كوميديا "جاك تاتي" الجافة، وأعمال "ياسوجيرو أوزو" الساكنة الدقيقة، أصبحت مشاهد سليمان الجمالية التي طرحها في فيلمه الأول "سجل اختفاء" (1996) علامةً فارقةً في السينما العربية؛ بانفصالها عن الواقع، وافتقارها إلى سرد ملموس، وفكاهته البصرية الساخرة التي طوّرها بعد ذلك في أفلام "يد إلهية" (2002) و"الزمن الباقي" (2009) و"إن شئت كما في السماء" (2019)، كما تحولت شخصيته الصامتة على الشاشة صمت "باستر كيتون" واحدةً من الشخصيات الأيقونية في السينما الحديثة.
إضافةً إلى الابتكارات الجمالية والجسارة الواضحة... جعلت الصور الأيقونية المتعددة التي استحضرها خلال مسيرته المهنية من سليمان - الذي ولد في الناصرة ودرس في نيويورك – أهم فنان فلسطيني في القرن الحادي والعشرين.
وإحياؤه ماضي فلسطين بأسلوب بروستاني في "الزمن الباقي" وتأملاته غير المتوقعة في الزمن الحاضر (الغضب المتقد في فيلم "يد إلهية" الذي تدور أحداثه خلال الانتفاضة الثانية) والإذعان المثير للسخرية في "سجل اختفاء" (2019) يتجاوز مسألة التوثيق، فقد حوّل فن سليمان القضيةَ الفلسطينيةَ موقفاً إنسانياً رافضاً للحدود والعسكرة والظلم.
في فيلمه الأخير "إن شئت كما في السماء" تحولت فلسطين سليمان عالَماً بأسره، وتحولت القضيةُ حالةً عالميةً بعد أن كانت في السابق مأساةً وطنيةً خاصةً، وتحولت اللغة السينمائية التي كانت تُستخدم لإبراز سكون مكان واقف في الزمن بفعل احتلال لا يكلّ ولا يملّ أداةً جريئةً تساعد في إيجاد معنى أو نوع من النظام في عالم يزداد غرابة يوماً بعد يوم.